مراجعة كتاب الأيام

مراجعة كتاب الأيام
يثبت لنا طه حسين في كتابه الأيام أن العوائق وهمية، وأن الرؤية لا تحتاج إلى نظر، وأن الطموح لا حدود له.
ويؤكد على أن الكسول هو الذي يرمي ضعفه على الأقدار، وأن كلمة واحدة قد تتعلق برقبة المرء حتى مماته، وأن الإصرار بكل هزماته الأولى يحقق النتيجة المطلوبة.
وكانت مسيرة حياة طه حسين كلها دليلاً على أن العلم فتنة العقول وحافز للاستزادة وطريق لا ينتهي.
لم يخطئ من وصف طه حسين بأنه مبصر وسط العميان، فمن خلال أيامه في هذا الكتاب يُرينا مصر التي لم يشاهدها بعينيه بل سمعها بأذنيه، ويشاركنا يومياته حركة حركة يوماً بيوم، ويعرفنا على الاختلاف الكائن بين الحياة في الريف والقاهرة بأدق التفاصيل، فنرى ونسمع ونشم ونتذوق ما عايشه حتى نكاد نستنشق رائحة الفول والخبز والشاي ونستطعم الدبس والبليلة ولدقة وصفه نستطيع التفرقة بين أصوات القرى والمدن في الأسواق والحارات ونداء المآذن ونمط الأحاديث المتبادلة بين الناس المختلفة باختلاف مجتمعهم.
ونتعرف خلال يومياته على الصحف الموجودة آنذاك، وعلى مشايخ الأزهر ودكاترة الجامعة واصفاً البيئة المصرية بكل طبقاتها بدءاً من أصحاب الطرابيش حتى باعة الطريق.
كتب عن حياته طفلاً بين المسجد والكُتّاب متنقلاً مع الصبية بين أزقة الريف وحوانيته، ثم انتقل إلى أروقة الأزهر وعواميده ودروسه ومشايخه، ويذكر قصة تعرّفه على الأدب وافتتانه به ومن ثم انتقاله إلى الجامعة بعد أن أغرته العلوم المتشعبة فيها، وهو في كل هذا يشرح صعوباته بكونه رجلاً أعمى فقير لا يمتلك سوى لساناً يسأل وهمة لا نظير لها، فهو الذي فتح باب الدنيا على نفسه بأسئلته ونقاشاته التي لا تنتهي مع كل شيخ وأستاذ سمع منه.
في الجزء الأخير يصطحبنا في رحلته إلى فرنسا ذاكراً مصاعبها وعوائقها، وكم كافح للحصول على بعثته تلك وكيف غيّر هذا السفر مستقبل حياته، ويمر خلال ذلك بأحداث الحرب والاستقلال والاضراب، ويذكر كل الصعوبات التي تعرض لها والتحديات التي تخطاها في سبيل العلم ويتطرق للأشخاص التي عاشرها ولعبت دوراً في حياته بالاسم.
ومع أن كتابه يُعدّ سيرة ذاتية بدءاً من طفولته حتى حيازته على شهادة الدكتوراه في فرنسا وعودته إلى مصر؛ إلا أنه لم يكتبه بصيغة المتكلم بل اعتمد على الضمير الغائب على لسان الفتى الشيخ وهذا ما أعطى تلك السيرة بُعداً ثالثاً أوصلها للعالَمية، فلا يذكر أحد طه حسين إلا وذكر أيامه.
اعتمد في كتابه على حاسة الشم والسمع وشعرتُ بأنه أهمل حاسة اللمس فلم يذكره اعتماده عليها في شيء.
الكتاب تقريباً 500 صفحة وهو على ثلاثة أجزاء.
ولعل أكثر ما أعجبني بشخصيته أنه لم يندم على أي شي فعله أو مقولة قالها لأنه حسب ما بيّن "لم يستجب فيما قال أو فعل إلا لما كان يدعوه إليه ضميره من الإقدام في غير تهيبٍ ولا وجلٍ"
في النهاية نستطيع القول بأنه رجل عاش بأذنيه واتخذ من عَمَاه تحدياً للوصول لما يريد.

بقلم بتول وطفة

RELATED ARTICLES

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة مُشَارَ إليها بـ *