مراجعة كتاب التصوير الفني في القرآن

مراجعة كتاب التصوير الفني في القرآن
للقرآن وجوه إعجاز كثيرة، منها العلمي والتاريخي والتشريعي، ولكن ماذا عن الإعجاز البلاغي؟ ذاك الوجه الذي تحدى الله العالمين بأن يأتوا بآية من مثله؟

إن القارئ في كتاب الله يجد فيه من السجع والقافية والتناغم والتناسق والإيقاع ما يأخذ بقلبه وعقله، كل هذا في إطار تشبيهي من القصص والأمثال، دون حياد عن الهدف الأساسي للقرآن وهو الهداية والتشريع، فما هي طريقة القرآن في التعبير؟

يبدأ سيد قطب كتابه بسحر القرآن مبيناً منبع هذا السحر، وكيف استولى على قلوب المشركين كالمغيرة بن شعبة، ويرى المؤلف أن النسق القرآني هو منبع هذا الجمال، وأن القرآن استخدم التصوير الفني في أغلب آياته.

ويقصد بالتصوير الفني طريقة التشخيص والتجسيم والتخيل، بحيث تتحول المعاني المجردة إلى صور حية ومتحركة، تضع القارئ في قلب الحدث، وكأنه يشهد وقائعه، لا يقرأ عنها.

فما إن تبدأ قراءة كلماته حتى تتوالى الصور وتتابع المشاهد وكأنك أمام لوحة متحركة وأحداث حاضرة، ومعاني محسوسة.

وبراعة التصوير تتمثل في أنها جاءت تماماً على قدر حاجة السياق إليه، فتارة يكون باللون أو بالصوت، وتارة يكون بالحركة أو الشعور، حسب ما تقتضيه حاجة الآيات، دون زيادة عن المعنى المراد ودون نقصان يخل بتناسق القصة.

وبالرغم من أن القرآن كتاب إرشاد وهداية، إلا أن قراءته أو حتى سماعه تحرك الوجدان والعواطف، وهذا مقصود بذاته؛ فالإنسان أدعى للامتثال حين يؤمن بعقله وينصاع بقلبه ووجدانه، كما أن المنطق الوجداني يفتح أبواب الإحساس، فتصل المعاني إلى الإنسان من أبواب كثيرة.

الكتاب مليء بالأمثلة والشواهد التي تفسر بلاغة القرآن ويقدم تحليلات دقيقة لآيات متعددة تُظهر تنوع أدوات التصوير في القرآن: من الكلمة المفردة، إلى الفعل، إلى زمن الفعل، حيث يتحول الزمن نفسه إلى مشهد نابض بالحياة.

ونجد في الكتاب بحثاً كاملاً لتحليل القصة في القرآن، متناولاً أهدافها وأبعادها الدينية، وكيفية عرضها وطريقة رسم شخصياتها، كشخصية آدم وابراهيم وموسى ويوسف، وكيف صاغ الحوارات، ماذا قدم وماذا أخّر، كيف حذف ولماذا حذف؟ كل ذلك مدعوماً بعشرات الأمثلة الموضحة المفسرة.

كما عرض الكتاب عدة نماذج إنسانية وبضعة أنماط شخصية، فكم مرة قرأنا "ومن الناس" لنقرأ بعدها سرد من الصفات البشرية، وكم مرة مرّت معنا " وإن منكم" لتركز الآية على نمط بذاته، وغيرها العديد من الأصناف، فبعد كل آية فيها "والذين" ستجد صنفاً من البشر وفئة من الناس تتجسد فيهم الصفات نفسها في النفاق أو الإيمان، في التردد أو الثبات وفي حب الدنيا أو ضعف الهمة، في حب التجديد أو الثشبث بالقديم.

الكتاب مؤلف من ٢٥٠ صفحة تقريباً، ويُعد من أبرز ما كُتب في فهم بلاغة القرآن وتصويره الفني.

وإني لأحسب أن قارئ القرآن لن يجد كتاباً يلبي رغبته في فهم الإعجاز البلاغي كما في هذا الكتاب، فمن يقرأه بتفهم ووعي سيعيد اكتشاف علاقته بالقرآن، ولن يعود لتلاوته كما كانت من قبل.

بقلم بتول وطفة

RELATED ARTICLES

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة مُشَارَ إليها بـ *