مراجعة كتاب ساحرٌ أو مجنون

مراجعة كتاب ساحرٌ أو مجنون
بل هو ساحرٌ مجنون، لا يخلو شعره من سحر ولا تخلو شجاعته من جنون.
اتخذ من الترحال وطناً ومن القصيدة نَسباً، وما قال أحد شعراً حسَناً إلا وكُنّي متنبي زمانه، وخُلّد اسمه في التاريخ ليكون أيقونة الشعر والشعراء.
رواية من ٦٠٠ صفحة تروي سيرة حياة المتنبي، تقرأ فيها عن التاريخ والسياسة والأدب، وتعايش حياة الملوك والحكّام، تعبق رائحة الصحراء بين حروفها وأحداثها، وتصارع بين صفحاتها أهوال الحرّ والجوع والعطش والأسر والوحدة.
كل فصل فيها لوحة بصرية، وكل قصيدة ذكرها الكاتب أعطت للرواية سحراً وعُمقاً وإيضاحاً.
تبدأ الرواية من ولادة المتنبي عجياً دون أم، وتُتابع أحداث طفولته ونشأته بسرد وحبكة تأسر القارئ وتتركه في سجن الصفحات بل وتقسم عليه أن لا يتركها قبل إكمالها.
تأخذنا برحلة متكاملة فنزور الصحراء ونشعر بِحرّها ولهيب شمسها ونعايش مهالكها حتى نكاد ننفض الرمل عن أعيننا ونجول ببصرنا باحثين مع المتنبي عما يطعمنا ويسقينا، ونُسرج خيلنا حين ينطلق المتنبي على صهوة فرسه، ونتحسس أقدامنا حين يقطع الفيافي وحيداً ماشياً حافياً.
نجد أنفسنا بين السطور غارقين في تفاصيل حياته، نحمل السيف معه تارة ونقول الشعر وننظمه تارة أخرى، نلعن الملوك حيناً ونرحل معه في تنقلاته حيناً أخرى.
نعيش بين صفحاتها بين العراق والشام وأنطاكية ومصر ونبكي مع أحداثها دمعة على المتنبي وقسوة عيشته ودمعة على ما آلت إليه حال البلاد.
رواية جزلة التعابير فصيحة العبارات تفيض بالأبيات الشعرية والقصص التي كانت سبب نتاجها، تنقلنا إلى جوّ الصحراء وبلاط الملوك وتصور حياة المتنبي بكل مراحلها وتنقل للقارئ صورة حيّة لوحدته وعزلته، فيتمنى لو أنه آنسه في وحدته أطعمه حين جاع ذبّ عنه المتشاعرين ورحل معه حيثما ارتحل يجوب الصحراء لا يبالي بأي خطر يلاقيه.
وإنني كقارئ شعرت أن المتنبي قبل حلب وخولة ليس كالذي بعدها.
لقد ألبسه الحب ثوب السكينة ونزع عنه شراسة الطباع وكساه الشوق استكانة لم يكن ليرضى بها قبله. لقد زهّده الحب في الدنيا ومطامعها رويداً رويداً حتى عاش سنواته الأخيرة في ملل من الحياة بكل مافيها حين قصُرت الحياة عن غايته ومطلبه.
تنتهي الرواية بموت المتنبي جسدياً، فهو حتى الآن ما زال حيّاً في دواوين الشعر وألسنة الشعراء.
ومع أن المتنبي لم يترك خلفه وارثاً إلا أن كل شاعر وفارس وبليغ له من تركته الأدبية نصيب.
وما من روائي أحق بأن يُخّلد مسيرة هذا الفارس الشاعر أكثر من العتوم الذي يتنفس بلاغة وفصاحة.
وإن صحَّت أحداث تلك المخطوطة التي بُنيت عليها أحداث الرواية؛ فهو والله جدير بكل هذه الحفاوة والتقديس.

بقلم بتول وطفه

RELATED ARTICLES

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة مُشَارَ إليها بـ *