لِلغُربةِ ألمٌ ثقيلٌ يفوقُ ألمَ الشوقِ إلى الأماكن، والمغتربون جميعًا يعانون من تحدّياتٍ لا عهدَ لهم بها، غير أنَّ الفئةَ الأكثرَ معاناةً هي فئةُ المراهقين؛ فهم يعيشون غُربةً تختلف عن غُربة آبائهم، ويُعايشون أزمةً مغايرةً لأزمةِ آبائهم.
فبينما يفتقدُ الآباءُ نمطَ العلاقاتِ التي يألفونها، وشكلَ المجتمعِ الذي يعرفونه وينتمون إليه، فإنَّ الشبابَ يفتقدون ثلاثةَ أمورٍ جوهرية، وغيابُها سببٌ في تشتّتِهم، وعاملٌ من عواملِ ضياعِهم وتفلّتِهم.
أمّا العاملُ الأوّلُ فيتمثّلُ في غيابِ القُدوةِ الحسنةِ والرِّفقةِ الصالحة، فمحيطُ الشبابِ من أقرانٍ ومعلّمين غالبًا ليس على الطريق الصحيح، والإنسانُ بلا صاحبٍ يفقدُ الهمّةَ، ويستوحشُ الطريقَ، ويستثقلُ أوامرَ الدين.
ويظهرُ العاملُ الثاني في فقدانِ البوصلة، فأغلبُ شبابِ اليوم لا يعرفون الهدفَ الأساسَ من وجودِهم، ولا يُدركون دورَهم في الحياة، ويفتقدون المرجعيةَ الصحيحةَ لأفعالِهم. والإنسانُ بلا وجهةٍ يضيع، وبلا مسارٍ يتخبّط، ويغدو مزاجُه مرجعَ أفعالِه، فإن أحبَّ واقتنعَ أقدم، وإن كرهَ واعترضَ أحجم.
أما العاملُ الثالثُ فيتجلّى في الاختلافِ الواضحِ بين مبادئِ البيتِ وقيمِه، وبين مبادئِ المجتمعِ في الخارج؛ ففي حين تُربّي العائلةُ أبناءَها على الخوفِ من الله، يتربّون في الخارجِ على ألّا يخافوا من أحد، وحين ينشأُ الولدُ على احترامِ حدودِ الله، يجدُ الخارجَ مفتوحًا لا حدودَ له ولا ضوابط، وحين يقومُ البيتُ على الضميرِ والوازعِ الأخلاقي، يجدُ الخارجَ قائمًا على المنفعةِ والمصالحِ الشخصية. وحتى الامتثالُ في مجتمعاتِنا يكونُ رغبةً ورهبة، أمّا الطاعةُ في الغربةِ فهي التزامٌ بالقانونِ وتجنّبٌ للمخالفةِ الماديّة.
وهذه العواملُ الثلاثةُ تُوسّع الهوّةَ بين الآباءِ والأبناء، وتعملُ على طمسِ الهويّةِ العربية، وفقدانِ نمطِ التفكيرِ العربيّ والإسلاميّ.
وهذا يضعُ الأهلَ أمامَ تحدّياتٍ أكبرَ من تحدّي اللغةِ والاندماج، ويُلقي على عاتقِهم مسؤوليّةَ حفظِ أبنائِهم من الضياع، فإنَّ فقدانَ المرجعيّةِ الصحيحةِ أعقدُ من فقدانِ اللغة، وانعدامَ الرغبةِ في سلوكِ طريقِ الخيرِ أخطرُ من انعدامِ الرغبةِ في الاندماج.
والحلُّ يكونُ على مراحل، وباتباعِ خطواتٍ ونصائحَ تأتيكم في المقالِ القادم.
بقلم
بتول وطفة
